قال ابن القيم رحمه الله فى جلاء الأفهام :
وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى وهي بنت تسع ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة وتوفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين.
ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه كما ثبت عنه ذلك في البخاري وغيره وقد سئل أي الناس أحب إليك قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها
ومن خصائصها أيضا أنه لم يتزوج امرأة بكرا غيرها
ومن خصائصها أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها
ومن خصائصها أن الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك فقالت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم وقلن كما قالت.
ومن خصائصها أن الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرا لها ولا عائبا لها ولا خافضا من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيا لها من منقبة ما أجلها
وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها
فهذه صديقة الأمة وأم المؤمنين وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تعلم أنها بريئة مظلومة وأن قاذفيها ظالمون لها مفترون عليها قد بلغ أذاهم إلى أبويها وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها فما ظنك بمن صام يوما أو يومين أو شهرا أو شهرين وقام ليلة أو ليلتين فظهر عليه شيء من الأحوال ولاحظوا بعين استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجابة الدعوات وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ويغتنم صالح دعائهم وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيرهم وتوقيرهم فيتمسح بأثوابهم ويقبل ثرى أعتابهم وأنهم من الله بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقصهم في الحال وأن يؤخذ ممن أساء الأدب عليهم من غير إمهال وأن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ولكن من وراء تخلف وهذه الحماقات والرعونات نتائج الجهل الصميم والعقل غير المستقيم فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه غافل عن جرمه وذنوبه مغتر بإمهال الله تعالى له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والإزراء على من لعله عند الله عز وجل خير منه
نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما وهو عند الله حقير.
ومن خصائصها رضي الله عنها أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها
ومن خصائصها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها
ومن خصائصها أن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في سرقة حرير فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن يكن هذا من عند الله يمضه ومن خصائصها أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم تقربا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن أجمعين وتكنى أم عبد الله وروى أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ولا يثبت ذلك .اهـ