الـرسـالـة الـقـشـيريـة
تأليف الإمام/ زين الدين أبى القاسم القشيري (ت 465 هـ)
الناشر/ دار جوامع الكلم
تأليف الإمام/ زين الدين أبى القاسم القشيري (ت 465 هـ)
الناشر/ دار جوامع الكلم
هذه رسالة كتبها الفقير إلى الله تعالى عبد الكريم بن هوازن القشيري، إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام، في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة.
أما بعد: رضي الله عنكم فقد جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده، بعد رسله وأنبيائه، صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره.
فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق.
صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى محال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية. ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهد مجارى أحكام الربوبية.
فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات تكليف، وتحققوا بما منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف.
ثم رجعوا إلى الله، سبحانه وتعالى، بصدق الافتقار، ونعت الانكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من الأعمال، أو صفا لهم من الأحوال. علماً منهم بأنه جل وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد. لا يحكم عليه خلق. ولا يتوجه عليه مخلوق حق، ثوابه: إبتداء فضل. وعذابه: حكم بعدل. وأمره قضاء فصل. ثم اعلموا، رحمكم الله، أن المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا من هذه الطائفة إلا أثرهم، كما قيل:
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
حصلت الفترة في هذه الطريقة..، لا، بل إندرست الطريقة بالحقيقة: مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء، وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء، وزال الورع وطوى بساطه، واشتد الطمع وقوى رباطه.
وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة، فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. ودانوا بترك الإحترام ........
..... فعلقت هذه الرسالة إليكم، أكرمكم الله. وذكرت فيها بعض سير شيوخ هذه الطريقة في آدابهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم، وعقائدهم بقلوبهم، وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وكيفية ترقيهم من بدايتهم إلى نهايتهم؛ لتكون لمريدي هذه الطريقة قوة، ومنكم لي بتصحيح شهادة، ولي في نشر هذه الشكوى سلوة، ومن الكريم فضلاً ومثوبة وأستعين بالله سبحانه فيما أذكره؛ وأستكفيه؛ وأستعصمه من الخط فيه، وأستغفره وأستعينه. وهو بالفضل جدير، وعلى ما يشاء قدير.