النفحات اللطيفة على البردة الشريفة
الشيخ علي عثمان جرادي الصيداوي الحنفي
الفصل الثالث في مدح سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى *** أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشد من سغب أحشاءه وطوى *** تحت الحجارة كشحا مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهب *** عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته *** إن الضرورة لاتعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من *** لولاه لم تخرج الدنيا من العدم
محمدسيد الكونين والثقليين *** والفريقين من عرب ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحد *** أبر في قول «لا» منه ولا «نعم»
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته *** لكل هول من الاهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستمسكون به *** مستمسكون بحبل غير منفصم
فاق النبيين في خلق وفي خلق *** ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس *** غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وواقفون لديه عند حدهم *** من نقطة العلم أومن شكلة الحكم
فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيبا بارىء النسم
منزه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعته النصارى في نبيهم *** واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف *** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له *** حد فيعرب عنه ناطق بفم
لو ناسبت قدره آياته عظما *** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به *** حرصا علينا فلم نرتب ولم نهم
أعيا الورى فهم معانه فليس يرى*** للقرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد *** صغيرة وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته *** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خير خلق الله كلهم
وكل آي أتى الرسل الكرام بها *** فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها *** يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبي زانه خلق *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترف والبدر في شرف *** والبحر في كرم والدهر في همم
كأنه وهو فرد من جلالته *** في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون في صدف *** من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تربا ضم أعظمه *** طوبى لمنتشق منه وملتئم